ليست الأغنية الثورية الفلسطينية الشعبية بلحنها وكلماتها تعبيراً عن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل الاحتلال، بل هي جزء من هذا الواقع، وذاكرة الناس تفيض بما فيها، ويعتبرها البعض كتابة للتاريخ الفلسطيني، وتوثيقاً للثورة الفلسطينية؛ فالجديد منها ممتد عن القديم ومطور له، والأحداث في فلسطين مزدحمة ومتوالية، وفيها تغيرات كبيرة في الواقع الاجتماعي والسياسي.
ولا تزال الأغنية الوطنية الفلسطينية التي ظهرت أواخر الستينيات، والتي تؤكد على التمسك بالأرض، وانتهاج المقاومة سبيلاً للتحرير محافظة على رونقها، ولها جمهورها؛ لبساطتها، وقدرتها على التجديد المستمر في نفوس الجيل الفلسطيني الجديد، وكيف تحولت في بعض معانيها إلى الدعوة للوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام الوطني الذي أنهك كاهل الفلسطينيين.
وقد شهدت الأغنية الفلسطينية الثورية عبر تاريخها أطواراً من التعديل والتغيير والتبديل، مع محافظة الأغنية الثورية القديمة بألحانها وكلماتها على أصالتها؛ كونها الماضي الجميل الذي يحن إليه الفلسطينيون، ويعتبرها البعض جزءاً من كيان كل فلسطيني، تحفزه في الدفاع عن قضيته العادلة.
وتعتبر الأغنية الثورية الوطنية ضرورة في بلد يعيش احتلالاً، ويعيش حرباً مستمرة مع احتلال يغتصب الأراضي، ويحاول تغييب الهوية العربية للمدن الفلسطينية؛ فهي تحث الشباب على المقاومة المستمرة لهذا الاحتلال حتى الحصول على حقوقه كاملة.
وترصد الأغنية الفلسطينية الأحداث المتسارعة في الشارع الفلسطيني، وهي حساسة تتكامل مع الشارع ومتطلباته؛ فقد بدأت أواخر الستينيات، ووفرت في تلك الوقت للفدائيين الفلسطينيين والشعب ما احتاجوه من لحن وكلمة لبلورة الهوية الوطنية كانت في طريقها للتغييب من قبل المحتل.
وقد لعبت تلك الأغاني في تلك الفترة دوراً مهماً في التأطير، والتحشيد والإحساس بالهوية الوطنية والجغرافية والسياسية للجميع، وكانت تلك الأغاني الحماسية جزءاً من الفعل الثوري الذي وجد على كافة ساحات العمل الفلسطيني ضد المحتل الغاصب، بما فيها الضفة والقطاع، وقد عاش عليها كثيرون، ولا يزالون يتذكرونها تماماً.
وشكلت تلك الأغاني الثورية في حينها بياناً سياسياً قليل الإيدولوجيا، بسيط الشعارات، وواضح المعاني والمعالم، ودقيق الأهداف، ومثل دعوة صريحة للجماهير لتنضم إلى الثورة لمقاومة المحتل، ولرفض التعامل مع سياساته العنصرية مهما كانت، ولعبت تلك الأغاني دور المنشور السياسي، والموقف الوطني الثوري، وبرنامج العمل اليومي؛ ولذلك اكتسحت وجدان الناس ومشاعرهم مطلع السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وترجمتها لعمل وطني متكامل.
ولأهمية الأغنية الفلسطينية الثورة في وجدان الناس حاول الاحتلال منع المهرجانات الفلسطينية، ومنع هذه الأشرطة، وملاحقة الكاتب أو المغني، وأغلاق أماكن التجمع واللقاءات؛ باعتبارها خطراً على الأمن الإسرائيلي؛ حيث أدرك أن الأغنية هي جزء من عمليات المقاومة، وهي جزء يتكامل مع غيره من الأدوات في مواجهة المحتل.
ومع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر الثمانينيات سارع الفنانون الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة وخارجها إلى إنتاج الأغاني الشعبية الثورية الملتزمة بتطلعات الشعب الفلسطيني، ومعبرة عن الواقع الجديد الذي خلفته الانتفاضة، تميزت بالمعنى الثوري والعمق واللحن التراثي المطور.
https://www.youtube.com/watch?v=-nXyzW-OWGM